اماني الطامحين وأحجية الثقة
د. ولي علي
يستدعي مفهوم (الوثوق) جملة من الالتزامات في كل حقل من حقول الحياة، ويكتسب أهمية بالغة في العلاقات العامة والخاصة، وقد تم توظيفه في الحقل السياسي من خلال الانظمة الديمقراطية بوصفها علاقة (طوعية اختيارية) تقوم على أساس التفويض المعتمد على الاهلية والقبول، لذا، فإن الثقة في الحكومات الديمقراطية بمثابة شريان الدم الذي يغذيها بأسباب الوجود والديمومة.
مثلها مثل كل شيء في عالم السياسية الممسوس بلعنة المصالح وصراع النفوذ، فإنها (أي الثقة) لا تمنح ولا تسحب في كل الاحوال على أسس موضوعية، بل تتدخل عوامل مختلفة، تتعلق بترسيمة خارطة العلاقات والتحالفات القائمة تحت مظلة السلطة التي تجمع القوى المانحة للثقة، لذلك فإن أحجية المنح والسحب، لا تسير دائما على خط مستقيم.
بعد ان تجاوز المشهد السياسي العراقي حالة اختناق شديدة، كادت أن تقضي على آخر أنفاسه، لولا التدارك الذي تم عبر تشكيل حكومة السيد الكاظمي، ومع أن هذه الحكومة محدودة التوقيت ومحددة المهام، ويرتبط وجودها بشكل مصيري بإجراء الانتخابات المعلن عنها في منتصف عام 202 1
إلا أن القوى الطامحة لتوظيف السلطة بشكل منظم في المخرج الانتخابي لا يهدأ لها بال، وهي تقترب تدريجياً من حقيقة لا مجال لنفيها والمتمثلة بإنفاذ الانتخابات، لذلك، عقدت العزم على تحريك الغبار المنثور في هذه الزاوية او تلك من اجل توسيع دائرة المشهد الضبابي الذي يمكنها من التحرك فيه، وخلق صورة قاتمة تدفع نحو اخراج الاصوات الهامسة سراً بمطلب سحب الثقة الى العلن.
يحاول الطامحون إعلاء الصراخ تحت عنوان ضعف الحكومة، وعدم قدرتها على انجاز مهامها، وتكريس مقولة (ان حكومة الكاظمي مجرد اعلانات اعلامية دون وقائع على الارض)، ويستعرضون بطولات للانجاز الحكومي في ازمنة مضت بطريقة وكأنهم يخبرون عن مجهول، كما أنهم يقدمون أنفسهم ك (منقذ سحري) يشافي كل أدواء العراق حالما يمسكون عصا السلطة، متناسين، ان ذاكرة الناس قوية بالقدر الذي تتذكر فيه ما يتعلق بسيرتهم العملية في الازمنة التي كانت بيدهم اشكال مختلفة من المسؤولية.
من المؤكد، ان الحكومة الحالية تواجه تحديات كبيرة، وتعوقها عقبات وحواجز كثيرة، وربما لم تكن النموذج الكامل إلا انها في كل الاحوال خياراً مصيراً لم نستطيع التوافق عليه إلا بشق الانفس، كما انها، لا تزال واضحة ومخلصة للمهمة الاساس التي جاءت من اجلها، والمتمثلة بالانتخابات، مضافاً إلى كل هذا، فإن اوضاع البلاد العامة والخاصة، لم ولن تتحمل هزة سياسية جديدة، فالدخول مجدداً في نفق التجاذب السياسي، والصراع على رئاسة الوزراء، واحجية الكتلة الاكبر، يعني بعبارة واضحة وصريحة وفي احسن الاحوال (توقف الرواتب والنفاقات الضرورية لاكثر من ستة اشهر او حتى سنة، تردي الاوضاع الصحية ونكوصها، شلل اقتصادي، اختناق سياسي، اوضاع امنية هشة قابلة للاختراق، ازدهار للقوى الظلامية والجريمة المنظمة والسلاح المنفلت، المزيد من الانشطارات والصراعات المكوناتية…. الخ)، ومع كل تلك الاحوال، فإن أقصى ما يمكن ان تحققه الحكومة الجديدة المزعومة تنفيذ الوعد بالانتخابات، وهي ما تقوم عليه هذه الحكومة بشكل جدي.
اتفهم جيداً، ان هؤلاء قلقون من اوضاع الانتخابات وترسيمتها الجديدة، واتفهم ايضا، ان المسك بزمام السلطة في حالة (استثمارها) سيوفر فرصاً عظيمة للفوز بمساحة كبيرة من الاصوات، إلا ان هذه الاماني تصاحبها ضرائب فادحة يمكن ان تجر البلاد الى منطقة الدولة الفاشلة او الاحتراب الاهلي، وهي ضرائب اكبر قيمة من قدر كل القوى السياسية.