ايران وحكومة الكاظمي بفرشاة مسجدي
ايران وحكومة الكاظمي بفرشاة مسجدي
د. ولي علي
احاطت علاقة ايران بحكومة الكاظمي تكهنات مفتوحة الطرف، إذ افترضت اطراف ذات اغراض خاصة، أن هذه العلاقة، ستنطلق من قاعدة الاتهام والشك بين الطرفين بناء على افتراضات وسيناريوهات لا وجود لها على ارض الواقع، لذا، فهي متجهة بحسب هذه الافتراضات الى المزيد من البرود والتباعد، وهو امر تنعكس تجلياته على عموم جوانب العلاقة بين الدولتين.
مثلت زيارة الكاظمي لايران، والتي كانت مستهلاً لجولاته الى دول العالم، والتي تقدمت زيارته الى امريكا والسعودية، الصورة الاولى العملية التي شكلت رؤية مخالفة عن مسار هذه العلاقة، ثم ما تبعها من توقيع للبروتوكولات ومذكرات التعون بين البلدين، والتواصل المنتظم للتنسيق والتعاون.
في مقابلة تلفزيونية على قناة العالم في الخامس من الشهر الجاري رسم السفير الايراني في العراق (مسجدي) تمام صورة المشهد الحقيقي لحدود العلاقة الايرانية من حكومة الكاظمي، ومع اننا نتحدث عن دبلوماسي يراعي اللغة الدبلوماسية في اجاباته إلا اننا في ذات الوقت نتحدث عن احد رموز قيادات الحرس الثوري، وبالتالي نحن امام رؤية ايران الدولة والثورة.
اكد مسجدي، ان العلاقة مع حكومة الكاظمي هي امتداد للعلاقة المميزة مع الحكومات العراقية السابقة، وشدد على ان التعاون والعمل مستمر بنفس الوتيرة، وفي سياق ذي صلة، اكد مسجدي، ان ايران لا تهدف الى اضعاف الحكومة العراقية، وليس لديها أي مشاكل في اطار التنسيق والتعاون.
النقطة الابرز في هذا اللقاء هي دعوة جميع الاطراف العراقية وفي مقدمتها الجهات ذات العلاقة المميزة مع ايران للتعاون ودعم الحكومة والعمل معها، إذ قال: (فيما يتعلق بالصعيد المحلي العراقي، فإننا نوصي جميع التيارات السياسية وجماعات المقاومة والإقليم الكردي بالتكاتف مع حكومة العراق والتعاون وخدمة الشعب العراقي ، إذا كانت هناك خلافات في الرأي فيما بينهم ، فهذا أمر لا شأن لها بالجمهورية الإسلامية. دعوني أضرب مثالا ، ألا توجد خلافات في الجماعات السياسية الشيعية نفسها؟ ألا توجد خلافات في المجموعات الكردية؟ ألا توجد خلافات بين الاقليم وبغداد؟ هذه الخلافات أمر طبيعي.
إذا كان البعض يعتقد أننا نثير هذه الخلافات أو على سبيل المثال نؤکد هذه الخلافات بين مجموعات المقاومة ونعززها، فهذا غير صحيح ، فهم أنفسهم أصحاب آراء و ذوو خبرات).
قطعت كلمات مسجدي الواضحة الكثير من التكهنات المثارة حول رغبة ايران لاتخاذ العراق مسرحاً لتصفية حسابها مع امريكا بخصوص اغتيال القائد سليماني والعالم محسن زادة، كما، ووضح الموقف الايراني من الانسحاب الامريكي من العراق، وكذلك بعموم ما يتصل بهذا الملف: (نحن لا نريد تهديد القوات الامريكية ، الجمهورية الاسلامية الايرانية لم تبعث مثل هذه الرسالة لا في العراق ولا اي مكان اخر ، يجب ان يتضح لنا الموضوع بشكل كامل من الناحية الامنية والفنية ، وان هذه العملية تمت من قبل من وكيف ؟ وبعد ذلك ستتخذ الجمهورية الاسلامية الايرانية قرارها وما ينبغي عليها ان تفعله . على حد علمي وبناء على الحديث الذي اجريته اليوم لم يتم طرح اي شيء من قبل الجمهورية الاسلامية).
ان وضوح معالم العلاقة مع دولة مهمة كإيران هو امر في غاية الاهم، خصوصا، وان الكثير من الصراع السياسي والتدافع المصلحي والمعارك المفتعلة (تستثمر) بشكل كبير في المساحات الرمادية لهذه العلاقة، وتنصب نفسها (ممثلاً) لأحد اطرافها او كليهما، وهو امر اغرق البلاد في صراعات ثانوية مختلقة لا مصلحة للعراق (دولة وشعباً) فيها، فالملكيون اكثر من الملك، ومدعو الثورية (وما اكثرهم في عراقنا)، يتخلقون المشاكل في كل يوم تحت عناوين ومدعيات مختلفة لارباك المشهد السياسي والحكومي، رغم انهم يملكون مساحة كبيرة في مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية، وبدلاً من ممارستهم دورهم في تقويم الاداء الحكومي ومكافحة الفساد وتعزيز دائرة العراق الخارجية، وتحمل مسؤوليتاهم في الاخفاق الذي كان صورة واضحة لسبعة عشر سنة مضت، فإنهم يعمدون الى اللعب على مشاعر وعواطف السذج والمندفعين من خلال افتراشهم القنوات الفضائية،وتسويق الخطابات الثورية التي لم تعد تخفى إلا على المغفلين، فمظاهر الفساد والتغانم التي يتسابق عليها هؤلاء رائحتها عفنة، وتزكم الانوف، وان التستر بعنوان المقاومة، والدفاع عن القضايا المصيرية لم يعد رقعة كافية لاخفاء ما تحتها من صورة مقززة للنهب والسرقة.
اسكتت فوهات البنادق المنفلتة، والاقبية الظلماء، معظم الاصوات من المجاهرة بالحقيقة، لذلك صار معظم الحديث يأتي بأبن عم الكلام وليس بالكلام نفسه، ولكن هذه السطور لن تلجأ الى التورية فهي واضحة في مقاصدها، لذا، تسأل، اذا كان هذا الموقف الواضح لايران وحكومتها من العراق وحكومته،فماذا يريد مدعو الملكية، وما هي الادوات التي يبغون تحقيق مرادهم من خلالها، فهل يفرضون رغباتهم وتوجهاتهم على الحكومة والدولة تحت ذرائع الثورية والمقاومة، وهل هم وكلاء مصالح
الدول الاخرى ام انهم وجودات سياسية واجتماعية عراقية من المفترض، ان بوصلة حركتهم وجهودهم ومواقفهم تدور على المصلحة العراقية العليا..؟
اخيراً، فإن مقابلة السفير مسجدي تعطي درساً بليغاً لكل صبيان السياسة وغير المؤمنين بالدولة ووجودها، فقائد ثوري بوزن وتاريخ مسجدي، وفي قناة ايرانية، ومع عدم الخوف من كل خطر، يتحدث بلغة الدولة والمصالح، ويستحضر مصلحة بلده في كل شأن حتى وان كان قضية حساسة مثل شهادة القائد سليماني والعالم زادة، فليت التبعيون في مشهدنا السياسي يتعلمون هذا الدرس ويتمثلونه.