ماذا وراء حملات استهداف جهاز المخابرات
قيصر الصحاف
شهدت الايام الاخيرة هجمة غير مسبوقة استهدفت جهاز المخابرات العراقي شاركت فيها أطراف سياسية ووسائل اعلام مؤدلجة ومنصات اجتماعية معروفة التوجه والانتماء حاولت النيل من مهنيته والتشكيك بقيادته وترويج مختلف التهم الفارغة بحقه.
لا أشك ان المتابع المنصف للمشهد العراقي عندما يواجه مثل هذه الحملات يدرك تماماً ان محركها الرئيسي هو نمط المحاصصة الذي ابتنت عليه العملية السياسية بعد العام ٢٠٠٣، فمروجوا هذه الاتهامات لا يهمهم مهنية الجهاز ولا إجراءاته الإدارية بقدر ما تهمهم مكاسبهم المصلحية، واكاد اجزم أن بإمكان قيادة الجهاز ان تُسكت هذه الأصوات النشار بخطوة بسيطة جدا من خلال التحرك على بعض الأطراف السياسية واسترضائها بطريقة او اخرى!
الشيء الاهم الذي يجب الالتفات اليه هو أن اي تصريح او ترويج اعلامي من هذا النوع يخفي وراءه عملية ابتزاز قذرة تحاول بعض الأطراف تمريرها، وكلما كان المسؤول ليناً طيّعاً أمام هذه الأطراف كان مقرباً منها ومرضيّاً عن أدائه، والعكس صحيح أيضاً، فكلما كان مشاكساً لها معارضاً لمنافعها كان هدفاً لآلتها الاعلامية الخبيثة!!
لم تكن حملات استهداف جهاز المخابرات هذه وليدة الساعة بل تمتد جذورها الى العام ٢٠١٧ بعد ان نجحت قيادته في مد جسور التواصل مع مختلف الاجهزة الاستخبارية في العالم وحققت نتائج مهمة اسهمت في القضاء على داعش واعادت للعراق دوره المحوري في المنطقة، لتبدأ بموازاة هذا النجاح حملات حاولت التشكيك بوطنية قيادته واتهمتها بالخيانة والتآمر على البلد!!
تصاعدت بعد ذلك هذه الحملات المضللة لتتهم الجهاز بالتواطؤ مع الجانب الأمريكي في تنفيذ حادثة المطار في الثالث من يناير ٢٠٢٠ وادعوا انهم يمتلكون الادلة القاطعة على تورطه بالحادثة الا أن احداً لم يطلع على شيء من هذه الادلة!!
لا أشك ان كل هذه الاتهامات تكشف عن محاولات مستمرة للسيطرة على الجهاز الأمني الاهم في الدولة العراقية وفي ذات الوقت تكشف ايضاً عدم خضوع قيادة الجهاز للابتزاز السياسي الذي تمارسه بعض الأطراف لتمرير اجنداتها القاصرة عن الاهتمام بمصالح البلد العليا.
فلا أجد تفسيرا منطقيا لتغريدة على منصة تويتر يطلقها زعيم سياسي بارز يرتبط به ١٥ نائباً يدعي فيها استقدام فريق أمني لإدارة جهاز المخابرات!! ولا افهم معنى لتصريح نائب في البرلمان العراقي عن تحكم جهة خارجية بعدد من المفاصل الامنية المهمة!!
هذه التصريحات وغيرها تكشف حجم البؤس الذي يعيشه ساسة العراق الذين تحولوا الى ناشطين ومدونين مهمتهم الاساسية الاعتراض على اي إجراء تتخذه الحكومة لا لشيء الا لانهم يدركون أن وجودهم مرتبط بحالة الفوضى والانفلات الأمني وإشاعة خطاب الكراهية وتعزيز نظرية المؤامرة التي يعتاشون عليها.
لم نسمع ولم نرَ سياسيّا في العالم يطعن بمؤسسة أمنية الا في العراق، ولو حصلت الأساءة نجد الحميع يحرص على تحديدها بافرادها لا بالمؤسسة، ولعل أقرب دليل على ذلك حادثة إدانة أحد افراد الحرس الثوري الايراني بالتورط في تسريب معلومات عن تحركات زعيم فيلق القدس الايراني السابق الفريق قاسم سليماني، حيث لم يتهم سياسي او مسؤول إيراني فيلق القدس بالعمالة، بل حرصوا على تحد الاتهامات بالشخص المعني ففط، اما في العراق نجد بعض المسؤولين والسياسيين والناشطين يبذلون جهدهم ويختلقون التهم زوراً وبهتاناً من أجل الإساءة للمؤسسات الامنية!!
اخيراً اقول .. ان استمرار هذه الاتهامات التي أثبتت الايام خلوها من اي دليل ناهض يجب أن لا تمر دون موقف رسمي لمقاضاة مطلقيها، وانا كمواطن اطالب القضاء العراقي والادعاء العام بالتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة وايقافها لان استمرارها يعد من أخطر مهددات الأمن القومي العراقي.