اعلاميات الصدفة في العراق… الابتذال يغلب على المعايير المهنية
اسراء الجوراني
بفعل التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية التي شهدها العراق منذ الغزو الامريكي عام 2003 وما بعدها والتي تزامنت مع سرعة التطور التقني والتكنولوجي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة, اتاح هذا التطور حق التعبير عن الرأي لجميع الاشخاص عبر الانترنت من خلال المشاركة في جميع الملفات والقضايا العامة, وعلى الرغم مما لهذا العامل من اهمية في كثير من جوانبه الا انه ادى من جانب اخر الى دخول العديد من الاشخاص غير المؤهلين الى مجال الاعلام, سيما بعد ان بدأ الاعلام التقليدي يفقد احتكاره للمعلومة بفعل الاعلام الجديد الذي يعتمد على التقنيات الرقمية وما تحققه من سرعة انتشار المعلومة والمشاركة المفتوحة عبر الفضاء الالكتروني.
ومع شيوع استخدام العديد من وسائل التواصل الاجتماعي التي تتيح للاشخاص الحصول على المتابعين بكل سهولة وتحقيق الشهرة بوقت قصير استغلت بعض الفتيات ما يتمتعن به من جمال سواء حقيقي او مكتسب بفعل عمليات التجميل, للدخول الى مجال الاعلام بفعل حضورهن الجذاب الذي استطعن من خلاله استقطاب العديد من المتابعين سيما من فئة الشباب والتسلل لمهنة الاعلام, حتى تحولت الاخيرة لدى البعض ممن يمكـــن ان نــطلق عليــهن ـ”اعلاميات الصدفة” عملية متاجرة بالأجساد لتحقيق مكاسب مادية من خلال الاعلانات والرعاية.
هذه الظاهرة ادت بشكل ملحوظ الى تراجع القيم المهنية والاخلاقية للإعلام في العراق بفعل غياب الرقابة الفعالة وضعف وتراجع القوانين التنظيمية لمهنة الاعلام الجديد بما يتلاءم مع تطور وسائل الاتصال الحديثة, الامر الذي اضعف مصداقية الرسالة الاعلامية نتيجة بعدها عن المعايير المهنية واعتمادها على اساليب التسقيط والشخصنة لأغراض سياسية.. فئوية.. تجارية… الخ, اذ نجد ان عدد من القنوات الفضائية قد استقطبت بعض من “اعلاميات الصدفة” لما يحظين به من شهرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون الاكتراث لاخلاقيات المهنة وعامل الخبرة.
هذه الظاهرة تثير العديد من التساؤلات وتطرح العديد من الاشكاليات سواء على المستوى الاخلاقي او المهني او الاجتماعي, اذ ان عملية استغلال اجساد النساء لتحقيق مكاسب مادية عن طريق الاعلام تعكس مستوى الانحدار الاخلاقي, وتزيد من صعوبة تمييز المتلقي بين الاعلام المهني والاعلام الهابط, وتؤثر من جانب اخر على صورة الاعلاميات المهنيات اللواتي يسعين لتقديم محتوى اعلامي ذي جودة ومصداقية يتفق والمعايير الاخلاقية والمهنية الاعلامية, حيث اصبحن يعانين من تبعات هذه الظاهرة ووضعهن في موضع الشك والارتياب مما قد يؤثر على مسيرتهن الاعلامية نتيجة عدم تفريق المتلقي بين الصالح والطالح.
للحد من هذه الظاهرة التي استفحلت خلال السنوات الاخيرة لا بد من تفعيل القوانين التنظيمية الصارمة لمراقبة المحتوى الإعلامي ومنع جميع الممارسات غير المهنية لتحسين جودة الاعلام العراقي, مع توجيه الدعم الحكومي للإعلام المستقل لتعزيز مصداقية الاعلام وخلق نوع من التوازن الصحي في البيئة الاعلامية التي يمكن ان يعزز من ثقة المتلقي بالرسالة الإعلامية.