دراسة تحذر من انتشار التدخين بين تلاميذ العراق
حذرت دراسة نشرها موقع “CUREUS” الأمريكي من انتشار ظاهرة التدخين بين المراهقين العراقيين بعمر مبكر وتحديداً تلاميذ المرحلة الثانوية، وذلك تحت تأثير الضغوط الاجتماعية والأمنية التي عاشها البلد وأثرت على سلوكيات الشباب، وهو ما من شأنه أن يلحق أيضاً أضراراً صحية مبكرة.
وبحسب التقرير الذي جاء بعنوان “انتشار التدخين بين تلاميذ المدارس في العراق”، وترجمته وكالة شفق نيوز، فإن الدراسة تستهدف تحديد مدى انتشار التدخين بين تلاميذ المدارس الثانوية في العراق والعوامل المساهمة الملحوظة فيه.
سلوكيات معقدة
وأشار التقرير إلى أن العديد من أنماط السلوكيات المعقدة مثل التدخين بين المراهقين في العصر الحالي، تفاقمت بسرعة مما أدى إلى حدوث تغييرات في أنماط تفكير المجتمع العراقي ومتوسط العمر المتوقع.
ولفت التقرير إلى أن إعادة تشكيل عادات المراهقين من شأنها أن تحد من انتشار تعاطي التبغ بين البالغين في وقت لاحق والحفاظ على الاستدامة، مشيراً إلى انخفاض متوسط عمر بدء التدخين بشكل ملحوظ، حيث كان المراهقون هم الفئة العمرية الأكثر عرضة للخطر.
ولفت التقرير إلى أن مراقبة تعاطي التبغ بين المراهقين تساعد على تحديد الأولويات في إعداد وتطوير سياسات مكافحة التبغ، مذكراً بأن معظم الوفيات المبكرة التي يمكن الوقاية منها في جميع أنحاء العالم، مرتبطة بتدخين التبغ الذي يتسبب في أكثر من ثمانية ملايين حالة وفاة ويكلف الاقتصاد العالمي 1.4 تريليون دولار أمريكي سنوياً.
وتابع التقرير أن شعبية تدخين النرجيلة على مستوى العالم، تزايدت، برغم أن هناك أدلة كثيرة متعلقة بالآثار الضارة لتدخين النرجيلة، حيث أن الاعتقاد الشائع في المجتمع هو أن آثارها الضارة أقل من السجائر العادية.
وبين أن الدراسة اختارت عينة تمثيلية لتلاميذ المدارس العراقية من خلال التوزيع العشوائي متعدد المراحل من المدارس المتوسطة والثانوية في محافظة نينوى لضمان تمثيل الطبقات العامة، وجرى اختيار 330 تلميذاً عشوائياً من 8 مدارس موزعة في أنحاء مدينة الموصل كافة، مركز محافظة نينوى، وحدودها شبه الريفية.
وتضمنت الدراسة أسئلة تتعلق بالخصائص الاجتماعية والديموغرافية للتلاميذ، وحالة التدخين، وأنواعه، وتكرار التدخين، وحالة التدخين النسبية، والرأي حول العوامل المحفزة لبدء التدخين، والمعرفة حول مخاطر التدخين.
وأظهرت الدراسة أن نسبة انتشار التدخين بأنواعه كافة تبلغ 24.5% بين 330 تلميذاً بواقع 30% من 246 ذكراً و7% من 84 أنثى. كما أن النرجيلة تمثل أكثر أنواع التدخين انتشاراً.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن نحو ثلث عينة المدخنين قالوا إنهم يدخنون مرة واحدة على الأقل يومياً، وتبين أن التأثير العائلي هو أقوى العوامل المؤثرة لبدء التدخين، إلى جانب الإجهاد، والغيرة بالإضافة إلى تأثير وسائل الإعلام ونجوم السينما.
وتظهر النتائج أيضاً أن 24.5% من المشاركين البالغ عددهم 330 مشاركاً، كانوا مدخنين لأحد نوعي التدخين أو كليهما (السجائر والنرجيلة)، كما أن النرجيلة تعتبر أكثر أنواع التدخين انتشاراً، حيث فضلها نحو نصف المشاركين في الدراسة، بالإضافة إلى أولئك الذين يدخنون الشيشة وتدخين السجائر معاً، مما يمثل 22% من 81 تلميذاً مدخناً.
وتشير النتائج إلى أن المشاركين المدخنين البالغ عددهم 81 شخصاً أبلغوا عن التدخين مرة واحدة على الأقل يومياً كنتيجة جماعية لمرة واحدة أو مرتين أو ثلاث مرات يومياً، في حين أفاد أكثر من نصف المشاركين إلى أنهم يتمتعون بمستوى معيشي جيد (54.8%)، وأن 36.6% يعيشون مع أكثر من أسرة واحدة في المنزل الواحد.
وبحسب النتائج، فإن غير المدخنين أكثر وعياً بالآثار للتدخين (61%) مقارنة بالمدخنين (45%)، وقد تم الإبلاغ عن نصيحة من الأسرة للإقلاع عن التدخين من قبل 70% من المدخنين و79.5% من غير المدخنين.
كما تظهر تأثير وسائل الإعلام على الإقلاع عن التدخين بنسبة 14.8% من المدخنين و8.03% من غير المدخنين، وتابعت النتائج أنه تم التعبير عن النية للإقلاع عن التدخين بنسبة 23.4% من المدخنين.
شريحة المراهقين
وذكر التقرير أن فترة المراهقة تعتبر فترة حافلة بالمخاطر حيث تشهد بدء العديد من العادات الخطرة، ويبدأ معظم المدخنين بالتدخين بانتظام قبل سن العشرين.
وتابع التقرير أن الدراسة تظهر أن تزايد ظاهرة التدخين بين تلاميذ المدارس الثانوية، يرافقها انخفاض في سن البدء بالتدخين.
في الآونة الأخيرة، وبعد الاستقرار السياسي في العراق، تلوح في الأفق أبحاث محدودة تركز على هذه القضية ووباء التدخين.
وبعدما ذكر التقرير بنسبة إلى 24% من التلاميذ المدخنين، قال إنه يمثل زيادة بنسبة 3% عن نسبة 21% من بين 1750 مشاركاً في المسح العالمي للشباب والرياضة الذي تم إجراؤه في العام 2012 بما في ذلك المراهقين من أنحاء العراق كافة الذين يعتبر التبغ هو النوع الأكثر انتشاراً للتدخين أكثر من النرجيلة في ذلك الوقت.
ولفت التقرير إلى أن هذا الرقم قد يتضاعف بالنسبة لشرائح الشباب غير المتعلمين، مذكراً بأن دراسة أجريت في محافظة كربلاء عام 2023 أظهرت أن معدل انتشار التدخين بلغ 25.3% بين تلاميذ المدارس الثانوية، وبدراسة أخرى أجريت في دهوك عام 2022 أظهرت أن 36% من 420 تلميذاً من تلاميذ المدارس الثانوية الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و18 عاماً المسجلين في الدراسة، كانوا مدخنين.
واعتبر التقرير أن أنماط تدخين السجائر والنرجيلة والافتقار إلى برامج فعالة لمكافحة التبغ، يجب أن تكون من القضايا الرئيسية التي يتم التركيز عليها، مشيراً إلى أن معدل انتشار المدخنين بين تلاميذ المدارس الثانوية في دولة الإمارات يبلغ 39% بين 560 مشاركاً مسجلين في مسح أجري في مدينة عجمان، كما أن دراسة أخرى عن حالة تدخين التلاميذ في المملكة السعودية أظهرت أن 37% من 695 طالباً من المشاركين مدخنين، ومن بينهم 83.7% بدأوا التدخين في سن 14 عاماً أو أقل.
التأثير العائلي
ونبه التقرير إلى أن التأثير العائلي هو السبب الأكثر شيوعاً للتدخين، وخاصة وجود شخص مدخن في المنزل أو أصدقائهم الذين يدخنون.
وذكر التقرير أن العراق أصبح عضواً في اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ (FCTC) منذ العام 2008، مشيراً إلى أن وزارة الصحة العراقية، وضعت منذ أكثر من 10 سنوات، القانون رقم 19 لسنة 2012 بشأن مكافحة التدخين، إلا أن تنفيذه يواجه صعوبات.
كما لفت إلى أن وزارة الصحة تعاونت مع وزارتيّ التربية والتعليم العالي والبحث العلمي، وتوسعت لتشمل جميع المحافظات، وتم إطلاق المشروع تحت اسم “مدارس مكافحة التدخين”.
وأشار التقرير إلى أن الإجهاد هو السبب الأكثر شيوعاً الذي اختاره المشاركون في الدراسة، كسبب مؤثر على سلوك التدخين، حيث يستخدم الطلاب التدخين كوسيلة تكيف للتعامل مع الاضطرابات النفسية ويعتقدون خطأ أن التدخين يحد من التوتر.
وتابع قائلاً إنه في العراق، هناك قبول ثقافي للتدخين خصوصاً بين الذكور.
تأثير نجوم السينما
كما أن هناك عوامل أخرى مشجعة على التدخين، من جانب وسائل الإعلام مثلاً، حيث أنه عند النظر إلى نجوم السينما المدخنين بشكل متكرر، فإن ذلك يشجع على تقليد السلوك.
وختم التقرير بالقول إنه من الممكن أن يؤدي تنفيذ الإستراتيجيات القائمة على الدراسات والبيانات، مثل البرامج التعليمية المدرسية الشاملة وسياسات الهواء الداخلي الخالي من التدخين، إلى تحسين نتائج الصحة العامة بشكل كبير.
وتابع التقرير قائلاً إن النمو الجسدي والنفسي للمراهقين يمكن أن يتأثر بشكل كبير بالتدخين، حتى أن احتمال الإصابة بالربو وأمراض القلب والأوعية الدموية يكون أكبر بين المراهقين المدخنين المنتظمين مقارنة بغير المدخنين.
وأوضح التقرير أن الأبحاث تظهر أن النيكوتين الموجود في السجائر ومنتجات التبغ الأخرى، يوثر على نمو دماغ المراهق، وخصوصاً المناطق المعنية بإحساس المكافاة والمتعة، وهو ما يجعل المراهقين أكثر عرضة للانخراط في سلوكيات منحرفة أكثر خطورة مثل تعاطي المخدرات والكحول.
وتابع قائلاً إن الصراعات في العراق خلال السنوات العشرين الماضية بسبب الحروب المتكررة وغزوات داعش التي خلقت اضطراب ما بعد الصدمة، تشجع كلها على الانحراف عن السلوك الطبيعي حيث يعتبر التدخين أحد هذه الانحرافات.
ولفت التقرير إلى أن استمرار غياب القيود على التدخين في المطاعم أو المقاهي في العراق، يساهم في انتشار التدخين مما يؤدي إلى انتشار وباء التدخين.
وأشار إلى أن جهوداً محدودة بذلت للحد من التدخين في الأماكن العامة في المولات الكبيرة أو المطاعم، ولم تطبق سوى في مناطق محدودة، ولم ترقى إلى أهداف برنامج الإقلاع عن التدخين الذي أعلن عنه قبل عشر سنوات.
وأضاف التقرير أن المجالات الترفيهية والعلمية والرياضية محدودة للغاية في العراق، بينما يتجه جميع رجال الأعمال نحو إقامة المقاهي أو المطاعم التي تحقق أرباحاً كبرى حيث تستقطب الكثير من الشباب الذين يمضون عدة ساعات في لعب الدومينو وألعاب الفيديو الأخرى.