عن تأجيل انسحاب القوات الأميركية من العراق
بواسطة 07:28:37 || 21 أغسطس 2024 »
عدد المشاهدين : 125 views » طباعة المقالة :
»
الوقت \ التاريخ :
شيروان الشميراني
ملفّ وجود القوات الأميركية وانسحابها من العراق والتي تقود التحالف الدولي المناهض للإرهاب، بحاجة إلى وجود رغبة من الطرفين وحصول تفاهم بعيد عن التوترات، ونظراً للوضع الاستثنائي في الشرق الأوسط والعدوان على غزة قرر الطرفان تأجيله إلى إشعار آخر. عديد هذه القوات انخفض خلال السنوات الماضية إلى حوالي خمسة آلاف واستقر في معسكرين، أحدهما في الغرب “قاعدة عين الأسد” في الأنبار، والثاني في الشمال ” قاعدة حرير” في أربيل – إقليم كوردستان- وهما موضعان بيئتهما الاجتماعية بيئة سنية – عربية، وكوردية، وهذا ما يدفع القوى الشيعية إلى القول إن السنة والكورد هم الرافضون لمغادرة الجنود الأميركيين العراق، فهل هذه حقيقة؟
إنّ المفاوضات عن وضع هذه القوات على الأرض العراقية بدأت في شهر تموز 2020 عقب اغتيال إدارة ترمب للقائد العسكري الإيراني قاسم سليماني في 2 كانون الثاني 2020، عقب عملية الاغتيال بثلاثة أيام قرر البرلمان العراقي إخراج هذه القوات، ومنذ ذلك الحين ولغاية الآن، لم تصل المفاوضات إلى نتيجة، وكل ما فعله الأميركيون هو إعادة تموضع جنودهم من سبع محافظات إلى محافظتين فقط، لكن هل فعلاً يريد الأميركيون مغادرة العراق؟
قبل الإجابة عن السؤالين السابقين، لابد من عرض الإستراتيجية الأميركية العامة في العالم والمنطقة الهادفة إلى حماية مصالحها، وهي أن القواعد العسكرية بقوات صغيرة الحجم وقوية مزودة بالتكنولوجيا العسكرية الضرورية جاهزة للضرب، وجود هذه القواعد في مناطق مختلفة في العالم إحدى استراتيجيتها الأساسية، مثبت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية زمن الرئيس ترومان، وإن تهديد الإرهاب ومحاربته ليس إلا حجة لتعبيد الطريق لإرسال الجنود وبناء القواعد العسكرية، العديد من الدول الكبيرة فيها قواعد عسكرية أميركية ولا تعاني من مشكلة الإرهاب مثل ألمانيا واليابان، فإن الوجود الأميركي مرتبط بالمصالح بالدرجة الأساس أكثر من ارتباطها بالإرهاب وغيره من الذرائع من مثل حماية حقوق الانسان، يتأكد التمسك بهذه الستراتيجية الآن أكثر من قبل في الشرق الأوسط في خضم الحرب الجائرة التي تمولها الآلة الحربية الأميركية على غزة وإرتكاب الإبادة الجماعية -جينوسايد- بحق سكانها المدنيين، فالعين الباصرة ترى وصول البوارج الحربية الى المنطقة والبحار وزيادة حجمها، فكيف يمكن سحب القوات التي هي موجودة أصلاً في دولة جارة لدولة ترى فيها واشنطن محوراً من محاور الشرّ؟
ربما هذا التوضيح يقول لنا إن الأميركيين ليسوا بوارد الانسحاب من العراق، كل ما يجري هو صياغة تسويغ البقاء وتقنينه، ليس أكثر من هذا، لكن ماهي أداة الضغط الأمريكية للبقاء؟
بلا شك أن القواعد العسكرية ليست ذات طابع عسكري أمني فحسب، وإنما البعد السياسي والإستخباري هو الأكثر حضوراً، ويكون عادة في إطار اتفاق سياسي، والسياسة تسحب الاقتصاد معها من الشركات والاستثمار وغيرها، لكن في حالة العراق إنّ الأمر أوسع، فقيمة العملة العراقية واقعة كحال غيرها من العملات في العالم تحت رحمة الدولار ومن ثم وزارة الخزانة الأميركية، وفي الفترات السابقة كان مسؤولو وزارة الخزانة يترددون على بغداد و الفيدرالي الأميركي يطلب إجراءات معينة من البنك المركزي العراقي، بمعنى أن انهيار الدينار العراقي يكون أحد التبعات أو الأسلحة بيد الاميركيين بالإضافة إلى إعفاء العراق من الحصار المفروض على ايران، وتعامل البنك الدولي، والجانب الأوروبي الاقتصادي والأمني يتأثر أيضاً بالانسحاب العسكري الأميركي، كما أن العراق بحاجة إلى الدعم والمساندة الأميركية على المستوى الدولي والإقليمي كذلك، كما يعطي وجودهم حجة بيد المسؤولين العراقيين في انتهاج بعض السياسات أمام الإيرانيين كورقة سياسية يمكن اللعب بها إن أحسنوا التعامل.
أما عراقياً فما من جدية كاملة في هذا الملف، لأن الاطار التنسيقي الشيعي الحاكم لم يضغط بما يكفي وإلا كان ذلك ممكناً خلال السنوات الأربع الماضية، فترة كافية وزيادة، لكن مع وجود الدافع والمبرر واجتماعات دورية للجنة العليا المشتركة بين البلدين، مضت أربع سنوات وأربعة أشهر، ويأتون بعد هذه الفترة الطويلة يعلنون بوقف انسحاب القوات الأميركية والدولية من العراق، علماً أن رئيس الوزراء قال في الاعلام إن العراق ليس بحاجة إلى وجود القوات الأجنبية في العراق لأنّ القوات المسلحة قادرة على أداء الواجب، وألحق أن مسألة الإرهاب المسلح في العراق، إذا كان المقصود بها هو هؤلاء المسلحون من بقايا تنظيم داعش، فإن التعاون الاستخباري الدولي مع العراق كافٍ من دون التدخل العسكري المباشر على الأرض، وبالتالي انتفاء الحاجة العسكرية لهم، لكن من المعلوم إنها مسألة أكبر من وجود بضعة آلاف من الجنود على الأرض، وهم أساساً لا يدخلون في المواجهات، ومن الغريب أن تتحرك هذه القوات ببضع عشرات من العناصر على الأرض بين المدن تحت عنوان مكافحة الإرهاب، والعراق له من الجنود مئات الآلاف من الجيش والشرطة والحشد الشعبي.
فالإطار الشيعي الحاكم، لو كان جادّاً بما يوازي تصريحاته النارية المتكررة، لأجبر ممثله الذي يترأس الحكومة على تقديم طلب رسمي للأميركيين بالمغادرة كما ينص الاتفاق المبرم بين الطرفين في سنة 2014، لكنهم لم يفعلوا إلى الآن. وهذا بذاته يرمز إلى أن الكورد والسنة العرب ليسا الطرفان المعرقلان لتنفيذ إجراءات الانسحاب.
الجهات الجادة في ملف الانسحاب هي التي تقصف معسكرات الأميركيين، وكذلك الإيرانيون الذين يلحظون تصاعد وتيرة العداء الأميركي لهم بمرور الوقت، وانعكاس الحرب الدولية على غزة، ومن حق الإيرانيين أن يقلقوا في ظل ظروف منذرة بالتفجر في أي وقت، لا سيما أن القوات الموجودة على الأرض العراقية تصدت للمسيرات والصواريخ الإيرانية التي كانت متوجهة لقصف إسرائيل في نيسان 2024، وهذا دليل إثبات آخر على أن الأميركيين لن ينسحبوا، لأنهم في موقع متقدم للغاية فيما يتعلق بحماية إسرائيل من الإيرانيين، أو ممارسة المراقبة عبر تقنيات متطورة وحتى مسيرات مزودة بكاميرات عالية الجودة دون الإضطرار إلى إختراق الأجواء الإيرانية.