كلمة الجبوري خلال افتتاح اجتماع اللجنة التنفيذية لاتحاد مجالس الدول الاعضاء في منظمة التعاون الاسلامي
بغداد: شبكة ع.ع .. النص الكامل لكلمة رئيس مجلس النواب الدكتور سليم الجبوري خلال افتتاح اجتماع اللجنة التنفيذية لاتحاد مجالس الدول الاعضاء في منظمة التعاون الاسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
ايها الاخوة الاكارم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرحب بكم بكم في عاصمة الخلافة العباسية بغداد واتمنى لكم سداد العمل وتوفيقه من الحي القيوم تبارك وتعالى وطيب الاقامة، واؤكد ثنائي وتقديري للعمل الباهر الذي انجز خلال الدورة السابقة، والذي نسعى جميعا الى تطويره واكسابه آفاقا اوسع ومديات ارحب تنعكس على امتنا الاسلامية بتآزر حقيقي وتكافل صميمي.
نعم كل الحب والترحاب الوفود التي حضرت الى بغداد متحدية كل اقاويل التعتيم والتهويل ، حين وضعت نصب أعينها انها تغذ السير الى بغداد ، قبلة العلم والعلماء وحاضرة الامة لقرون من الزمن وهي تنتظر القدوم المبهج للاشقاء والاخوة والاصدقاء ، وهي تجمعهم بحب وإخاء متطلعة الى ظروف أفضل وأكثر استقرارا ، وهي مع ذلك لا زالت عروس العواصم واحاديث الشعراء ، ولا زالت ضفتي النهر في الرصافة والكرخ ، كأنها تردد قول الشاعر مصطفى جمال الدين
بغداد ما اشتبكت عليكِ الاعصرُ
إلا ذوت ووريق عمرك أخضرُ
مرّت بك الدنيا وصبحك مشمسٌ
ودجت عليك ووجه ليلك مقمرُ
وقست عليك الحادثات فراعها
ان احتمالك من أذاها اكبرُ
اخوتي الاكارم
مما لا شك فيه ان الامم الحية هي من تحول التحديات مهما بلغت جسامتها الى انبعاثات نحو التجديد والتطوير، انبعاثات توفر لها منعة اقوى ودورا افعل واجدى في رسم العالم الجديد، ولما كانت امتنا الاسلامية من الامم الحية، برسالتها السمحاء العابرة للازمنة والامكنة، وبثرواتها الطبيعية الهائلة والبشرية الخلاقة والمبدعة، من الامم التي كان لها دور مشهود في صياغة التاريخ الانساني في افضل تجلياته، وريادة المشروع الحضاري المدني، فانها مؤهلة لان تؤدي دورا مهما في تفكيك عناصر الازمات التي تمثل محور انشغال العالم ومحط اهتمامه.
ومثل هذا الدور لا يمكن ان يشخص على ارض الواقع ان لم تنهض الدول الاسلامية مجتمعة وبارادة واحدة وحزم واحد بوضع استراتيجية اسلامية شاملة لمواجهة عدة تحديات اساسية تأتي في مقدمتها التحديات الامنية الخطيرة المتمثلة في الارهاب الذي اتخذ من ديار المسلمين ميدانا لوحشيته واستهدافه لكل ما هو انساني، واتخذ من الاسلام الحنيف غطاء زائفا لمشروعه التدميري للحضارة الانسانية والمجتمعات المتطامنة التواقة للخير والمحبة والسلام، ولان الارهاب اتخذ الجغرافية الاسلامية مكانا والاسلام شعارا زائفا، فان مواجهته حتمية تاريخية على الدول الاسلامية، عبر القضاء على عصاباته اينما كانت، وتحريم افكاره، وحل المشكلات الامنية في بعض الدول الاسلامية التي استغلها الارهاب بافق اسلامي ورؤية حريصة على انقاذ اي عضو في الجسد الاسلامي مما يؤلمه ولو بالسهر والحمى.
وبحتمية تاريخية ايضا، تجب علينا مواجهة التحديات الخطيرة الناجمة عن انتشار اسلحة الدمار الشامل في منطقتنا على وجه التحديد، فالمسؤولية الشرعية تدعونا الى المطالبة باخلاء منطقتنا الملتهبة من تلك الاسلحة اخلاء كليا وليس انتقائيا، ووضع برنامج موحد لانقاذ اجيالنا الحاضرة والمقبلة من كوارث ابادة قد تنجم عن استخدام هذه الاسلحة في اي مكان من العالم، وفي الوقت عينه لا بد من التوكيد على شرعية حق الدول الاسلامية في امتلاك حلقات الاستخدام السلمي للبرامج النووية.
ايتها الاخوات
ايها الاخوة
يتعين علينا ونحن نتصدى لوضع استراتيجية اسلامية جديدة ان نتعمق في وضع الحلول الجذرية للتحديات الداخلية لإمتنا، ومنها الاسهام في برامج التنمية للدول ذات الامكانيات الاقتصادية ومعالجة اختلالات اقتصاداتها وتوفير الحياة الكريمة لابنائها وفي الوقت عينه ان نبذل اقصى ما يمكننا من جهد ومن مال لانقاذ اللاجئين من محنهم القاسية ومعالجة الفقر بجميع تمثلاته واينما كان، وذلك هو واحد من اهم دروس الرسالة المحمدية الشريفة، كما يتعين علينا ان نضع ضوابط قانونية جماعية لحماية الطوائف والمكونات غير المسلمة التي شاركتنا السراء والضراء وكانت لها ايد بيض في تاريخنا.
ولا بد من رفد مسار الحوار بين الحضارات بافكار جديدة تحوله من حوار نيات طيبة الى حوار انساني يعالج كل الملفات الشائكة في ميدان العلاقات بين الامم والشعوب.
ومن المؤكد ان تصدي اللجنة التنفيذية وهي الحلقة الاهم في اتحاد البرلمانات الاسلامية لملفات حقوق الانسان في بلداننا والانتكاسات الخطيرة للوضع البيئي في اوطاننا وفي العالم بأسره، والمعضلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية القائمة والتي ستنشأ لاحقا، سيوفر للاتحاد قدرة مفصلية على ان يكون محركا من اهم محركات صناعة الحياة الجديدة في امتنا الاسلامية.
ومن هنا اجد انه من اللازم ان نعمل معا كسلطات تشريعية على تأسيس فكر تشريعي متنور يأخذ بنظر الاعتبار التحديات والحلول والواقعية والنظرية على حد سواء ويجمع بين حاجة الدول والشعوب ويوفر الظروف الملائمة للعبور بالامة من ازمتها الخطيرة الى ضفة الاستقرار والأمن والسلام ، وكل ذلك يحتاج الى مزيد من التواصل البناء في الحوار والتبادل العاجل في الخبرات والمعلومات والتكامل في المقدرات والقدرات بين بلداننا على وجه العموم ومؤسساتنا التشريعية على وجه أخص وأدق .
اخواتي وإخوتي الاكارم
ومع انطلاق اعمال هذا اللقاء التاريخي المهم في بغداد ، يتجدد الأمل والتفاؤل باللحمة الاسلامية الواعدة ، خصوصا ونحن في ظرف لا يمكن وصفه الا بالحاسم فالشعوب الاسلامية امام تحد الهوية الواضحة التي تحافظ على الموروث والثابت وتنطلق نحو المستقبل والاخر بانسيابية واتساق ووتيرة منتظمة تتعاطى مع متطلبات العصر ومقتضيات الازمة بارادة جامحة مبدعة صلبة في الفهم ومرنة في الأداء .
ان ما تمر به بعض شعوبنا الاسلامية من اوضاع خطيرة ومؤلمة وحساسة يستدعي منا تحفيز كل طاقاتنا للاستدراك والمعالجة ، فما يحصل في ليبيا واليمن وسوريا والعراق من اقتتال وصراع مع الارهاب الذي يلبس ثوب الدولة او مع الدولة التي تلبس ثوب الارهاب يعد نهجا كارثيا الخاسر فيه هي الشعوب مع تهاوي بنى الدول وانهيار انظمتها وهلاك الحرث والنسل فيها وتغلب قانون القوة بدلا من قوة القانون ، وانقضاض الشهوات الشرهة على قصعة الفقراء والضعفاء وأرواحهم ، ولذا فلا بد من جهد اممي جامع للخروج من هذه الازمة ، واعتقد ان ذلك لن يكون الا بتسوية تاريخية شاملة لقضايا المنطقة وفق منهج تبادل الحلول لا تقاطعها وتكاملها لا تمانعها ، وكل ذلك يتطلب قمة إسلامية شجاعة وحاسمة يضع الجميع فيها بحسبانهم دفع أثمان باهضة من التنازلات للوصول الى الحل الناجع .
اسمحوا لي ايتها الاخوات وايها الاخوة ان اجدد لكم التعبير عن سعادتنا وانتم في عاصمة الاسلام الثانية بغداد سائلا الرحمن الرحيم ان يأخذ بايدينا جميعا الى مافيه خير امتنا الاسلامية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.