الصدر: إني صممتُ على الشهادة
بقلم: غفار عفراوي
بغداد: شبكة ع.ع .. عائلة آل الصدر مشهود لها بالشجاعة والعلم والوقوف بوجه الظلم مهما كان طاغياً وجباراً . وخير الأمثلة على ذلك الوقفة الخالدة للشهيد السيد محمد باقر الصدر بوجه جبروت حزب البعث في بداية أيامه التي كانت دموية ولا ترحم كل من ينتمي للأحزاب الإسلامية أو يواليها أو يدافع عنها . فكان الصدر مفكر حزب الدعوة الإسلامية الذي تبنى فكرة الإسلام وضرورة التخلص من البعث وصدام بكل الطرق، وخسر الحزب عشرات الشجعان على يد جلادي البعث ، حتى وصل الحال أن يكون الصِدام المباشر بين الفقيه المرجع محمد باقر الصدر وبين حزب البعث ويقرر الصدر المواجهة وعدم التراجع لأنه يرى أن هذا الحكم الظالم يحتاج الى تضحية كبرى من أجل إيقاظ الشعب من غفوته .
يقول السيد الصدر في آخر كلماته المسجلة ” إني صممت على الشهادة وهذا آخر ما تسمعون مني ” ، فهو لا يرى لشخصه أية أهمية مقابل الوطن والمذهب والإسلام ، ويذهب الصدر الى ربه راضياً مرضياً ويتم تنفيذ حكم الإعدام بحقه وأخته العلوية على يد حزب البعث الكافر عام 1980.
وبعد ما يقرب من عشرين سنة يظهر للعلن صدرٌ آخر عام 1998 ليواجه حزب البعث مرة أخرى وهذه المرة عن طريق الفكر والتوجيه والتربية والتثقيف عبر 45 خطبة جمعة في مسجد الكوفة المعظم ومئات الخطب الأخرى عن طريق وكلاءه في المحافظات العراقية . ويشتد الصراع مع الطاغية ويصل الى مرحلة اللارجعة حيث يطلب من السيد الصدر التوقف عن صلاة الجمعة والصدر يرفض بكل شجاعة وإباء مستمد من جده الحسين عليه السلام ويكرر في عدة خطب للجمعة كلماته الثورية التي ما زالت خالدة لحد الآن ” كلا كلا للباطل ” و ” كلا كلا يا شيطان ” وكذلك أشارته الواضحة بأنه سائر نحو الشهادة بارتداء الكفن والقول ” سأذهب وضميري مرتاح ” .
قرر صدام إنهاء هذا الصراع فأمر زبانيته بإغتيال الصدر الثاني في يوم الجمعة 19-2-1999 ويذهب السيد مع نجليه مصطفى ومؤمل الى ربهم بعد أن قالوا كلمة الحق بوجه الحاكم الظالم .
وبعد أربعة سنوات تتكرر البطولة الصدرية والشجاعة الحيدرية عن طريق سليل العائلة وبقية السيف السيد مقتدى الصدر نجل الشهيد الصدر الثاني بالوقوف ضد المحتل الأمريكي بكل صلابة وشموخ على الرغم من سهام الغدر التي نالته من المقربين كما نالت من عمه الصدر الأول وأبيه الصدر الثاني . ويستمر المقتدى بالدفاع عن المظلومين ومقاومة المحتلين حتى انسحاب القوات الأمريكية وبدء مرحلة جديدة من المقاومة السياسية بالدخول الى البرلمان والحكومة ومحاولة إصلاح الخلل الموجود في العملية السياسية . وعلى مدى دورتين انتخابيتين كان صوت السيد الصدر مدوياً ولم يسكت أبداً بوجه الفساد والفاسدين . وصل الصراع الى حد قيام رئيس الحكومة نوري المالكي بالانتقام من الصدريين في البصرة والناصرية وبغداد وعدة محافظات من أجل الضغط على الصدر والقبول بالواقع مهما كان ، إلا ان السيد وقف بحزم بوجه مشروع المالكي الذي اتفق مع جميع الكتل السياسية على تصفية السيد مقتدى أو اعتقاله ، والصدر يقاوم ولم يهدأ له بال حتى كان التغيير المرتقب وانتهى حكم المالكي الدكتاتوري وبدأت حكومة جديدة برئاسة حيدر العبادي من نفس حزب المالكي.
إلا ان الفساد وصل الى مراحل متقدمة وصار العراق الدولة الأولى في الفساد لسنوات عديدة ولم يستثمر العبادي التأييد المرجعي والشعبي والدولي له، ولم يقم بما هو مطلوب من كشف الفاسدين وتغيير المنظومة الفاسدة بل انه عاد وتمسك بمنظومة حزبه مرة أخرى! مما حدا بالمرجعية الدينية في النجف الاشرف التوقف عن الخطبة السياسية في يوم الجمعة بعد أن (بُح) صوتها على حد تعبير ممثلها في كربلاء المقدسة .
قرر السيد مقتدى الصدر الظهور علناً أمام الناس بكل شجاعة الآباء وصلابة الأجداد ، بلا خوف أو قلق أو حذر من الإغتيال على يد الكثير من اعداءه الفاسدين والتابعين والحاقدين ، فخرج يقود التظاهرات المليونية للمطالبة بالتغيير الجذري لعملية فاسدة والبدء بتشكيل حكومة بعيدة عن المحاصصة الحزبية ومحاسبة الفاسدين من أي كتلة كانوا ، وفعلا يظهر الصدر في يوم 26شباط 2016 اليوم التاريخي الصدري العراقي في ساحة التحرير وسط بغداد مع الجماهير المليونية ليلقي خطبة نارية بوجه الظالمين والفاسدين ويتوعدهم باختراق الجدران المحصنة التي يختبئون داخلها. ويعيد صورة والده من على منبر الكوفة وهو يردد كلا كلا للباطل ليقول المقتدى ” كلا كلا للفاسد ” ويشير الى احتمالية قتله أيضا بقوله ” قررت الفناء في الوطن “.
فهل سيكون الصدر الثالث الضحية الأخرى التي تقدمها العائلة المجاهدة قرباناً للوطن ؟
وهل سيبقى العراق يندب حظه على خسارة القادة الثوريين وهو ينادي يومياً : من أين لنا بمثل غاندي او الخميني او حسن نصر الله وجميع هؤلاء لم ينالوا الشهادة ؟ .